الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية جدل بين الشيخ الغنّوشي والأستاذ البوني

نشر في  07 ماي 2014  (12:32)

نشرت دار سحر ومجلة «قضايا استراتيجيّة» كتابا للأستاذ الجامعي والمفكر عفيف البوني عنوانه «دعوة راشد الغنوشي إلى أسلمة المسلمين وخلط الدولة والسياسة والدين». ويعتبر هذا الكتاب من أعنف ما وجّه  من نقد للاتجاه الاسلامي ولحزب النهضة.
وقد أكد الأستاذ عفيف البوني أنّه مفكر يخشى على تونس من التيار الدّيني المسيس الذي يتعارض مع اسلام  الأنوار والقيم الكونية ملاحظا انّ أهمّ خطر يواجهه المسلمون هو «تسييس» الدين الإسلامي وتوظيفه لفائدة أشخاص لا علاقة لهم بالحداثة وحقوق الانسان والديمقراطية وحقوق المرأة.. فعوض ان تنظر الحركة السياسية الدّينية الى الأمام والمستقبل ما انفكّت تنظر الى الماضي وتريد دفع المسلمين نحو «ما كان» وليس نحو «ما سيكون»..
وقد استهلّ السيد عفيف البوني كتابه بحوار افتراضي مع الشيخ الغنوشي حيث سأل بكل صراحة وجرأة رئيس حركة النهضة لتكون الأجوبة مقتطفات من كتاب الشيخ «الحريات العامّة في الدولة الاسلامية».. سأله عن علاقة الدين بالدولة وأهداف الحركة الاسلامية فكان الجواب من كتاب السيد الغنوشي:«إنّ إقامة الشريعة فرض على كل مسلم».. و«إنّ الطاعة لصاحب الشريعة طاعة يستحقّ عليها ثوابا».. حتى تصبح «الشريعة لا تعلوها شرعية»..
أمّا الدولة فمهمتها هي «إقامة العدل وحراسة الدين... وتوفير مناخات تتيح لأكبر عدد ممكن من الناس ان يعبدوا الله بوعي واختيار وتوافق مع مبادئ الإسلام». وعندما يسأله السيد البوني عن العلمانية يجيب الشيخ الغنوشي في كتابه «إنّ العلمانيّة والتغريب هما الوجه الآخر للديكتاتورية والتجزئة».
ويتواصل الحوار الافتراضي ليتبيّن انّ مشروع النهضة هو مشروع ديني بحت يهتم بطريقته الخاصّة بالعقيدة وبالتالي ليست له أيّة علاقة بالعلوم الصحيحة والديمقراطية وحقوق المرأة والمعرفة والتسامح والمكاسب الكونية.. وفي هذا السياق لابدّ من الإشارة الى انّ هناك  فرقا كبيرا بين أفكار الشيخ راشد الغنوشي التي طرحها في كتابه «الحريات العامة في الدولة الاسلامية» وبين تصريحاته ومواقفه الأخيرة خاصة بعد تنحية السيد محمد مرسي في مصر وما حدث في تونس بعد الحوار الذي نظّمه الرباعي والذي كانت نتيجته تخلّي النهضة عن الحكم.. يقول السيد عفيف البوني انّ هذا التراجع مرتبط بازدواجيّة خطاب حزب النهضة التي تتعامل مع موازين القوى الوطنية والدولية بحذر وتقدّم تنازلات في حين انّ أنصار الشيخ راشد يعتبرون انّ الاسلام السياسي تطوّر،  وهذا التطور يدلّ على نجاح التوفيق بين الاسلام والديمقراطية.. لكن الأستاذ البوني يقدّم مقتطفات من كتاب السيد الغنوشي ودراسات قامت بها الجماعة الاسلامية تؤكد انّ هدفها جميعا هو فرض الشريعة والدولة الدينية وتهيئة الجماهير للقيام بمهمّتها الرساليّة... كما انتقد السيد البوني بشدّة النظرة «الاسلامية» للتعليم  والرامية الى تخريج انسان مؤمن بالاسلام، عامل بتعاليمه فقط عوض أن تهيّئه للعيش في مجتمع متطوّر يرتكز على المعرفة والديمقراطيّة وكونية الحقوق..ثمّ يواصل المؤلف كتابه في الفصل الثاني برسم شخصية الغنوشي ووهم تفوّق نظام الخلافة  على نظام الجمهوريّة الديمقراطيّة وإثر ذلك يتطرّق لموضوع أسلمة المسلمين وعلاقة النهضة بالحركة الإسلاميّة العالميّة ومخاطر الحركة الدّينية على مستقبل العرب والمسلمين لأنّها حركة شمولية ورجعيّة.
في الختام لابدّ من التذكير بأنّ حركة النهضة لم يصبح لها فكر أورتودوكسي بل انّها تضمّ عدّة تيارات وشخصيات منها الصّقور التي تهدّد البلاد، كما تضمّ الحمائم الذين يدعون إلى القيم الدّينية والمعرفة دون فرض دولة تيوقراطية، وهناك أيضا شقّ يستعمل «تكتيك» الكرّ والفرّ في محاولة لإيجاد حلول وسطية مع القوى الديمقراطيّة وضغوطات الغرب... وبعد الأحداث ومظاهرات المجتمع المدني والنساء وتأثير اتحاد الشغل ومقاومة الإعلام الحرّ ونفور النّخب التونسيّة من برنامج أيّ حزب ديني، تغيّر خطاب الشيخ الغنوشي وأصبح أكثر مرونة وواقعيّة وتقاربا مع الوسطيّة ورفض الدولة التيوقراطيّة وحتى الدّينية لكن ورغم ذلك يظل الأستاذ البوني مؤمنا باستحالة التوفيق بين الأحزاب الدّينية والديمقراطيّة.
 

المنصف بن مراد